الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
فأجاب قائلًا: لا شك أن المسلم يجب عليه أن يبغض أعداء الله ويتبرأ منهم لأن هذه هي طريقة الرسل وأتباعهم قال الله تعالى: أما كون المسلم يعاملهم بالرفق واللين طمعًا في إسلامهم وإيمانهم فهذا لا بأس به، لأنه من باب التأليف على الإسلام ولكن إذا يئس منهم عاملهم بما يستحقون أن يعاملهم به. وهذا مفصل في كتب أهل العلم ولا سيما كتاب "أحكام أهل الذمة" لابن القيم - رحمه الله -. فأجاب بقوله: هذا الرجل يحرم عليه بقاؤه في هذا البلد ويجب عليه أن يهاجر فإن لم يفعل فليرتقب قول الله تعالى: فأجاب قائلًا: مخالطة غير المسلمين في أعيادهم محرمة لما في ذلك من الإعانة على الإثم والعدوان وقد قال الله تعالى: واختلف العلماء فيما إذا أهدى إليك أحد من غير المسلمين هدية بمناسبة أعيادهم هل يجوز لك قبولها أو لا يجوز؟ فمن العلماء من قال: لا يجوز أن تقبل هديتهم في أعيادهم، لأن ذلك عنوان الرضاء بها، ومنهم من يقول :لا بأس به. وعلى كل حال إذا لم يكن في ذلك محظور شرعي وهو أن يعتقد المهدي إليك أنك راض بما هم عليه فإنه لا بأس بالقبول وإلا فعدم القبول أولى. وهنا يحسن أن نذكر ما قاله ابن القيم - رحمه الله - في كتاب أحكام أهل الذمة 1/205 "وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم فيقول: عيد مبارك عليك أو تهنأ بهذا العيد ونحوه فهذا إن سلم قائله من الكفر، فهو من المحرمات وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب.. وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك" ا.هـ. فأجاب بقوله: البدء بالسلام على غير المسلمين محرم ولا يجوز لأن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: ولا يجوز كذلك أن يبدؤوا بالتحية كأهلًا وسهلًا وما أشبهها لأن في ذلك إكرامًا لهم وتعظيمًا لهم، ولكن إذا قالوا لنا مثل هذا فإننا نقول لهم مثل ما يقولون، لأن الإسلام جاء بالعدل وإعطاء كل ذي حق حقه، ومن المعلوم أن المسلمين أعلى مكانة ومرتبة عند الله - عز وجل - فلا ينبغي أن يذلوا أنفسهم لغير المسلمين فيبدؤوهم بالسلام. إذًا فنقول في خلاصة الجواب: لا يجوز أن يبدأ غير المسلمين بالسلام لأن النبي، صلى الله عليه وسلم، نهى عن ذلك، ولأن في هذا إذلالًا للمسلم حيث يبدأ بتعظيم غير المسلم، والمسلم أعلى مرتبة عند الله - عز وجل - فلا ينبغي أن يذل نفسه في هذا. أما إذا سلموا علينا فإننا نرد عليهم مثل ما سلموا. وكذلك أيضًا لا يجوز أن نبدأهم بالتحية مثل أهلًا وسهلًا ومرحبًا وما أشبه ذلك لما في ذلك من تعظيمهم فهو كابتداء السلام عليهم. فأجاب قائلًا: لا يجوز أن يسلم الإنسان على المسلم بقوله: وإذا كانوا مسلمين ونصارى فإنه يسلم عليهم بالسلام المعتاد يقول : السلام عليكم يقصد بذلك المسلمين. فأجاب بقوله: إن هؤلاء الذين يأتوننا من الشرق ومن الغرب ممن ليسوا مسلمين لا يحل لنا أن نبدأهم بالسلام، لأن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: وإذا سلموا علينا فإننا نرد عليهم بمثل ما سلموا علينا به لقوله تعالى: الحال الأولى: أن يفصحوا باللام فيقولوا: "السلام عليكم" فلنا أن نقول: عليكم السلام، ولنا أن نقول: وعليكم. الحال الثانية: إذا لم يفصحوا باللام مثل أن يقولوا: "السام عليكم" فإننا نقول: "وعليكم" فقط، وذلك لأن اليهود كانوا يأتون إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فيسلمون عليه بقولهم: "السام عليكم" غير مفصحين باللام والسام هو الموت، يريدون الدعاء على النبي، صلى الله عليه وسلم، بالموت فأمر النبي، صلى الله عليه وسلم، أن نقول لهم: "وعليكم" فإذا كانوا قالوا: "السام عليكم" فإننا نقول: "وعليكم" يعني أنتم أيضًا عليكم السام هذا هو ما دلت عليه السنة. وأما أن نبدأهم نحن بالسلام فإن هذا قد نهانا عنه نبينا، صلى الله عليه وسلم. فأجاب فضيلته بقوله: إذا سلم الكافر على المسلم سلامًا بينًا واضحًا فقال: السلام عليكم، فإنك تقول: عليك السلام، لقوله تعالى: فالأقسام ثلاثة: الأول: أن يقول بلفظ صريح : "السام عليكم". فيجاب: "وعليكم". الثاني: أن نشك هل قال: "السام" أو قال: "السلام"، فيجاب: "وعليكم". الثالث: أن يقول بلفظ صريح: "السلام عليكم". فيجاب: "عليكم السلام"؛ لقوله تعالى: قال ابن القيم ـ رحمه الله تعالىـ: (فلو تحقق السامع أن الذي قال له: سلام عليكم لا شك فيه، فهل له أن يقول: وعليك السلام أو يقتصر على قوله: وعليك؟ فالذي تقتضيه الأدلة وقواعد الشريعة أن يقال له: وعليك السلام، فإن هذا من باب العدل، والله تعالى يأمر بالعدل والإحسان، وقد قال تعالى: وإذا مد يده إليك للمصافحة فمد يدك إليه وإلا فلا تبدأه. وأما خدمته بإعطائه الشاي وهو على الكرسي فمكروه، لكن ضع الفنجال على الماصه ولا حرج. فأجاب بقوله: يجب أن نعلم أن أسدَّ الدعاة في الدعوة إلى الله هو النبي، صلى الله عليه وسلم، وأن أحسن المرشدين إلى الله هو النبي، صلى الله عليه وسلم، وإذا علمنا ذلك فإن أي فهم نفهمه من كلام الرسول، صلى الله عليه وسلم، يكون مجانبًا للحكمة يجب علينا أن نتهم هذا الفهم، وأن نعلم أن فهمنا لكلام النبي، صلى الله عليه وسلم، خطأ، لكن ليس معنى ذلك أن نقيس أحاديث الرسول، صلى الله عليه وسلم، بما ندركه من عقولنا، وأفهامنا، لأن عقولنا وأفهامنا قاصرة، لكن هناك قواعد عامة في الشريعة يرجع إليها في المسائل الخاصة الفردية. فالنبي، عليه الصلاة والسلام، يقول: فالمعنى أنكم كما لا تبدؤونهم بالسلام لا تفسحوا لهم فإذا لقوكم فلا تتفرقوا حتى يعبروا بل استمروا على ما أنتم عليه واجعلوا الضيق عليهم إن كان في الطريق ضيق، وليس في الحديث تنفير عن الإسلام بل فيه إظهار لعزة المسلم، وأنه لا يذل لأحد إلا لربه عز وجل. فأجاب بقوله: ننصح هذا الأخ الذي يعمل مع الكفار، أن يطلب عملًا ليس فيه أحد من أعداء الله ورسوله ممن يدينون بغير الإسلام، فإذا تيسر فهذا هو الذي ينبغي، وإن لم يتيسر فلا حرج عليه لأنه في عمله وهم في عملهم، ولكن بشرط أن لا يكون في قلبه مودة لهم ومحبة وموالاة، وأن يلتزم ما جاء به الشرع فيما يتعلق بالسلام عليهم ورد السلام ونحو هذا، وكذلك أيضًا لا يشيع جنائزهم، ولا يحضرها، ولا يشهد أعيادهم، ولا يهنئهم بها. فأجاب ـ رفع الله درجته ـ بقوله: الذي يفعله أعداء الله وأعداؤنا وهم الكفار ينقسم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: عبادات. القسم الثاني: عادات. القسم الثالث: صناعات وأعمال. أما العبادات: فمن المعلوم أنه لا يجوز لأي مسلم أن يتشبه بهم في عباداتهم، ومن تشبه بهم في عباداتهم فإنه على خطر عظيم فقد يكون ذلك مؤديًا إلى كفره وخروجه من الإسلام. وأما العادات: كاللباس وغيره فإنه يحرم أن يتشبه بهم لقول النبي، صلى الله عليكم وسلم: وأما الصناعات والحِرَف: التي فيها مصالح عامة فلا حرج أن نتعلم مما صنعوه ونستفيد منه، وليس هذا من باب التشبه، ولكنه من باب المشاركة في الأعمال النافعة التي لا يعد مَن قام بها متشبهًا بهم. وأما قول السائل: "وهل للمصالح المرسلة دخل في ذلك؟". فنقول: إن المصالح المرسلة لا ينبغي أن تجعل دليلًا مستقلًا، بل نقول: هذه المصالح المرسلة إن تحققنا أنها مصلحة فقد شهد لها الشرع بالصحة والقبول وتكون من الشرع، وإن شهد لها بالبطلان فإنها ليست مصالح مرسلة ولو زعم فاعلها أنها مصالح مرسلة. وإن كان لا هذا ولا هذا فإنها ترجع إلى الأصل، إن كانت من العبادات فالأصل في العبادات الحظر، وإن كانت من غير العبادات فالأصل فيها الحل، وبهذا يتبين أن المصالح المرسلة ليست دليلًا مستقلًا. فأجاب ـ جزاهُ الله عنا خير الجزاء ـ بقوله: المسلمون خير من الكافرين، لقول الله تعالى: وأما تقديم الطعام لهم فإن كان على سبيل الخدمة بأن يكون يخدمهم في بيتهم ونحوه فلا ينبغي، بل ذكر فقهاؤنا كراهة ذلك. وإن كان على غير هذا الوجه مثل أن تقدمه لهم من بيتك فلا حرج فيه لأن الحاجة داعية له. فأجاب فضيلته بقوله: استقدام غير المسلمين إلى الجزيرة العربية أخشى أن يكون من المشاقة لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، حيث صح عنه كما في صحيح البخاري أنه قال في مرض موته: لكن استقدامهم للحاجة إليهم بحيث لا نجد مسلمًا يقوم بتلك الحاجة جائز بشرط أن لا يمنحوا إقامة مطلقة. وحيث قلنا: جائز فإنه إن ترتب على استقدامهم مفاسد دينية في العقيدة أو الأخلاق صار حرامًا، لأن الجائز إذا ترتب عليه مفسدة صار محرمًا تحريم الوسائل كما هو معلوم. ومن المفاسد المترتبة على ذلك ما يخشى من محبتهم والرضا بما هم عليه من الكفر، وذهاب الغيرة الدينية بمخالطتهم. وفي المسلمين ـ ولله الحمد ـ خير وكفاية، نسأل الله الهداية والتوفيق. فأجاب بقوله: أما قول: "يا أخي" لغير المسلم فهذا حرام، ولا يجوز إلا أن يكون أخًا له من النسب أو الرضاع، وذلك لأنه إذا انتفت أخوة النسب والرضاع لم يبق إلا أخوة الدين، والكافر ليس أخًا للمؤمن في دينه، وتذكر قول نبي الله تعالى نوح: وأما قول: "صديق رفيق" ونحوهما فإذا كانت كلمة عابرة يقصد بها نداء من جهل اسمه منهم فهذا لا بأس به، وإن قصد بها معناها توددًا وتقربًا منهم فقد قال الله تعالى: وكذلك الضحك إليهم لطلب الموادة بيننا وبينهم لا يجوز كما علمت من الآية الكريمة. فأجاب بقوله: لا يحل للمسلم أن يصف الكافرـ أيًّا كان نوع كفره سواء كان نصرانيًا، أم يهوديًا، أم مجوسيًا، أم ملحدًاـ لا يجوز له أن يصفه بالأخ أبدًا، فاحذر يا أخي مثل هذا التعبير. فإنه لا أخوة بين المسلمين وبين الكفار أبدًا، الأخوة هي الأخوة الإيمانية كما قال الله - عز وجل -: فلا أخوة بين المؤمن والكافر أبدًا، بل الواجب على المؤمن ألا يتخذ الكافر وليًا كما قال تعالى: فمن هم أعداء الله؟ أعداء الله هم الكافرون. قال الله تعالى: وقال ـ سبحانه وتعالى ـ : فأجاب بقوله: إذا وجدت شخصًا غير مسلم في الطريق فلا حرج عليك أن تركبه لأن الله يقول: أما الأكل مما مسته أيدي الكفار فجائز، لأن نجاسة الكافر نجاسة معنوية لا حسية. فأجاب فضيلته بقوله: تهنئة الكفار بعيد الكريسمس أو غيره من أعيادهم الدينية حرام بالاتفاق، كما نقل ذلك ابن القيم - رحمه الله - في كتابه "أحكام أهل الذمة"، حيث قال: "وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد ونحوه فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات وهو بمنزلة أن تهنئه بسجوده للصليب بل ذلك أعظم إثمًا عند الله، وأشد مقتًا من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس، وارتكاب الفرج الحرام ونحوه. وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قبح ما فعل، فمن هنأ عبدًا بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه". انتهى كلامه - رحمه الله -. وإنما كانت تهنئة الكفار بأعيادهم الدينية حرامًا وبهذه المثابة التي ذكرها ابن القيم لأن فيها إقرارًا لما هم عليه من شعائر الكفر، ورضا به لهم، وإن كان هو لا يرضى بهذا الكفر لنفسه، لكن يحرم على المسلم أن يرضى بشعائر الكفر أو يهنئ بها غيره، لأن الله تعالىلا يرضى بذلك، كما قال الله تعالى: وإذا هنؤونا بأعيادهم فإننا لا نجيبهم على ذلك، لأنها ليست بأعياد لنا، ولأنها أعياد لا يرضاها الله تعالى، لأنها إما مبتدعة في دينهم، وإما مشروعة، لكن نسخت بدين الإسلام الذي بعث الله به محمدًا، صلى الله عليه وسلم، إلى جميع الخلق، وقال فيه: وإجابة المسلم دعوتهم بهذه المناسبة حرام، لأن هذا أعظم من تهنئتهم بها لما في ذلك من مشاركتهم فيها. وكذلك يحرم على المسلمين التشبه بالكفار بإقامة الحفلات بهذه المناسبة، أو تبادل الهدايا أو توزيع الحلوى، أو أطباق الطعام، أو تعطيل الأعمال ونحو ذلك، لقول النبي، صلى الله عليه وسلم،: ومن فعل شيئًا من ذلك فهو آثم سواء فعله مجاملة، أو توددًا، أو حياءً أو لغير ذلك من الأسباب، لأنه من المداهنة في دين الله، ومن أسباب تقوية نفوس الكفار وفخرهم بدينهم. والله المسؤول أن يعز المسلمين بدينهم، ويرزقهم الثبات عليه، وينصرهم على أعدائهم، إنه قوي عزيز. فأجاب - رحمه الله - بقوله: لا يجوز الذهاب إلى أحد من الكفار عند قدومه للتهنئة بوصوله والسلام عليه لأنه ثبت عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: وأما ذهاب النبي، صلى الله عليه وسلم، لليهودي الذي كان مريضًا فإن هذا اليهودي كان غلامًا يخدم النبي، صلى الله عليه وسلم، فلما مرض عاده النبي، صلى الله عليه وسلم، ليعرض عليه الإسلام فعرضه عليه فأسلم، فأين هذا الذي يعوده ليعرض عليه الإسلام من شخص زار قسًا ليهنئه بسلامة الوصول ويرفع من معنويته؟! لا يمكن أن يقيس هذا على ذاك إلا جاهل أو صاحب هوى. فأجاب بقوله: مقياس التشبه أن يفعل المتشبِه ما يختص به المتشبَه به، فالتشبه بالكفار أن يفعل المسلم شيئًا من خصائصهم، أما ما انتشر بين المسلمين وصار لا يتميز به الكفار فإنه لا يكون تشبهًا، فلا يكون حرامًا من أجل أنه تشبه، إلا أن يكون محرمًا من جهة أخرى. وهذا الذي قلناه هو مقتضى مدلول هذه الكلمة. وقد صرح بمثله صاحب الفتح حيث قال ص272 ج10 "وقد كره بعض السلف لبس البرنس لأنه كان من لباس الرهبان، وقد سئل مالك عنه فقال: لا بأس به. قيل: فإنه من لبوس النصارى، قال : كان يلبس هاهنا". ا.هـ. قلت: لو استدل مالك بقول النبي، صلى الله عليه وسلم، حين سئل ما يلبس المحرم، فقال: وفي الفتح أيضًا ص307 جـ1: وإن قلنا : النهي عنها (أي عن المياثر الأرجوان) من أجل التشبه بالأعجام فهو لمصلحة دينية، لكن كان ذلك شعارهم حينئذ وهم كفار، ثم لما لم يصر الآن يختص بشعارهم زال ذلك المعنى، فتزول الكراهة. والله أعلم. ا.هـ.
|